هدافو المونديال التاريخيون




يُمنّي النجم الألماني ميروسلاف كلوزة

 Klose 



النفس بالجمع بين لقبين فرديين تاريخيين، لم يكن يخطر في باله عندما كان لاعباً يافعاً في صفوف نادي كايزرسلاوترن Kaiserslautern قبل خمسة عشر عاماً، أن يتمكن من الوصول إليهما في يوم من الأيام.


في 6 يونيو من هذا العام، تمكن ذو الأصول البولندية الذي بلغ أخيراً الـ36 من العمر، من كسر الرقم القياسي لأفضل هدّاف في تاريخ المنتخب الألماني بعد أن صمد نحو 40 عاماً، منذ أن اعتزل الأسطورة التهديفية غيرد مولر Gerd Muller اللعب الدولي.


بـ69 هدفاً في صدارة هدّافي المانشافت، يسعى كلوزة لرد الإعتبار الألماني سريعاً في المونديال، عن طريق استرجاع لقب آخر كان في حوزة مولر مدة طويلة أيضاً، قبل أن يقتنصه الظاهرة البرازيلية رونالدو Ronaldo، محطّماً صموداً استمرّ 32 عاماً، ولا يفصل كلوزة عن ذلك سوى هدف للتعادل وهدفين للانفراد.


في مونديال سويسرا 1954 بدأت ترتسم الملامح الأولى لسجل سيمتلئ بالنجوم فيما بعد، وعلى الرغم من النهاية الدراماتيكية للمونديال بفوز ألماني على المرشح الأول منتخب المجر، فإن الرأس الذهبيّ ساندرو كوتشيش Kocsis استطاع الظفر بلقب الهدّاف بعد 11 هدفاً سجلها في مرمى كوريا وألمانيا والبرازيل والأورغواي، ووضع أمام نجوم المستقبل أول رهان على كسر هذا الرقم الكبير.


على عكس ما كان متوقعاً، فإن رقم كوتشيش لم يدم إلّا إلى حين انتهاء البطولة التالية في السويد 1958، إذ تمكّن لاعب المنتخب الفرنسي جوست فونتين Fontaine من تسجيل 13 هدفاً في البطولة، ليُتوّج بلقب الهدّاف بدون أن يساعد ذلك منتخبه سوى في إحراز المركز الرابع.


فونتين الذي كان في الـ35 من عمره، دوّن اسمه في كلّ المباريات التي خاضها في المونديال، فأحرز أهدافاً ضدّ البارغواي ويوغوسلافيا واسكتلندا وانكلترا والبرازيل وألمانيا، ليسجّل رقماً جديداً، ويرفع سقف الرهان أكثر.


بعد أن سجل بيليه Pele في مونديال السويد 6 أهداف، لعب ثلاثة مونديالات أخرى، لكنه فشل بتحيطم رقم فونتين. سجّل هدفاً واحداً في تشيلي 1962 وآخر في إنكلترا 1966، وأربعة في المكسيك 1970، ثم توقف رصيده عند 12 هدفاً في المركز الثاني تاريخياً.


المونديال المكسيكي شهد شروق شمس تهديفية جديدة، فالبومبر الألماني غيرد مولر (25 عاماً في ذلك الوقت) أبهر جميع المتابعين بحسّ تهديفي عالٍ أهله لتصدّر قائمة الهدّافين برصيد عشرة أهداف سجّلها في مرمى المغرب وبلغاريا والبيرو وإنكلترا وإيطاليا، ليحتلّ مع ألمانيا المركز الثالث خلف البرازيل البطلة وإيطاليا الثانية.


رحلة النجم الألماني لم تنته في المكسيك، فأكمل مشوار التألق على أرضه وبين جماهيره مسجلاً أربعة أهداف في مرمى كل من أستراليا ويوغوسلافيا وبولندا، إضافة إلى هدف الفوز باللقب الأغلى على هولندا في النهائي، ليرفع الإبن البافاري البار الكأس الذهبية ويتربع على عرش الهدافين وحيداً.





على الرغم من أن رقم مولر الأسطوري الذي صمد 32 عاماً تم تحطيمه في النهاية، فإنّ ما قدّمه النجم الألماني من نسب تهديفية لا يمكن أن يستطيع أي لاعب تحقيقها على المدى المنظور. فقد سجّل مولر مع المنتخب الألماني 62 هدفاً خلال 68 مباراة أي أن معدل تسجيله فاق الـ100 % في المباراة الواحدة. زدْ أن مولر اعتزل وهو في أوج تألقه (29 عاماً)، بعد أن سجّل في نصف نهائي أمم أوروبا والنهائي، إضافة إلى نصف نهائي كأس العالم والنهائي أيضاً.


في مونديال مدينة النور عام 1998، بزغ نجم برازيلي جديد تم تحضيره على يد عمالقة السامبا (روماريو Romario وبيبيتو Bebeto)، عندما كان في الثامنة عشرة من عمره. الفينومينو Fenomeno (الظاهرة) رونالدو دا ليما شارك "شرفياً" في مونديال أمريكا 1994، قبل أن يبدأ مشوار كسر رقم مولر في مونديال فرنسا 98.


معشوق البرازيليين تمكن من تسجيل أربعة أهداف في مرمى كل من التشيلي وهولندا والمغرب، قبل أن تخسر البرازيل النهائي مع فرنسا بثلاثية لم يستطع رونالدو العائد من الإصابة حينذاك، أن يفعل أمامها شيئاً.


أربع سنوات أخرى كانت كفيلة بتفتق مواهب رونالدو عبر تسجيل ثمانية أهداف في مرمى تركيا والصين وكوستاريكا وبلجيكا وألمانيا، ليتوّج رونالدو بلقب الهدّاف، ويحمل منتخب السيليساو الكأس الخامسة في تاريخه.





سافر رونالدو بعد أربعة سنوات تالية إلى نسخة العام 2006 وهو يضع نصب عينيه تحطيم رقم مولر على الأرض الألمانية. ابن الثلاثين عاماً كان بحاجة لثلاثة أهداف فقط، وهو ما تحقق له عن طريق هدفين في المرمى الياباني وهدف في مرمى غانا، قبل أن يخرج المنتخب البرازيلي أمام فرنسا في ربع النهائي، مع جائزة ترضية تمثلت بكسر رونالدو لرقم مولر وتصدره قائمة الهدّافين التاريخية.


بالتوازي مع إبداعات رونالدو في المونديال الآسيوي، قدمت ألمانيا للعالم رأساً ذهبياً جديداً. ميروسلاف كلوزة اللاعب المغمور في كايزرسلاوترن Kaiserslautern حقق المركز الثاني خلف رونالدو في قائمة الهدّافين برصيد خمسة أهداف سجّلها في مرمى السعودية والكاميرون وإيرلندا، قبل أن يحقق المركز الثاني مع المنتخب أيضاً، بعد الخسارة أمام البرازيل. خمسة أهداف أخرى في المونديال الألماني كانت كفيلة بمنح كلوزة لقب الهدّاف في الوقت الذي كان فيه رونالدو يحطم الرقم القياسي بأهدافه الثلاثة.


اعتزال رونالدو منح كلوزة الفرصة لاستعادة الصدارة الألمانية التاريخية في مونديال جنوب إفريقيا 2010، إلا أن كلوزة اكتفى بأربعة أهداف فقط، ليحرمه الطرد أمام صربيا في الدور الأول والإصابة قبل مباراة الأورغواي لتحديد الفائز بالمركز الثالث، من معادلة الرقم التاريخي أو كسره.





ستة وثلاثون عاماً لم تمنع المخضرم الألماني من حجز مكان أساسي في تشكيلة المدرب لوف Löw، ليضمن ثلاث مباريات يحتاج من خلالها إلى تسجيل هدفين فقط، وهذا ما كان يؤرق رونالدو البرازيل طوال السنوات الأربع الماضية. اللاعب السابق الذي يكبر كلوزة بعام واحد، قال في أحدث تصريحاته إنه يصلّي كي لا يحطم ميروسلاف رقمه القياسي، كذلك وجّه رسالة للجماهير البرازيلية قال فيها إنه يعتمد عليهم في تشجيع الفرق التي يلعب كلوزة ضدّها، قبل أن يختم ممازحاً: " لو أن كلوزة هو الذي أصيب بدلاً من ماركو رويس Reus!".